طلاق المشخصاتية
كشفت أحدث الدراسات عن الطلاق في الوسط الفني أنّ نسبة الذين يقبلون على الطلاق بين المشتغلين بالفن تتعدى الثلثين، فقد تبين أنّ ما يقوم به الممثلون على المسرح أو في السينما أو بالمسلسلات التليفزيونية يقومون به في الحياة أيضًا، فهم يندمجون حتى في التمثيل، حتى يصدقوا أنفسهم، وينسى الممثل أو الممثلة أنّه يعيش في الواقع كما ينسى أن الأمر تمثيل، وتنسى الممثلة أنّها ليست "متفرجة" وأنّها يجب ألّا تتأثر بالكذب أو التمثيل، ولكنها أيضًا تحب الكذب على نفسها كما تمارسه على النّاس.
وهكذا يتم الزواج في ظروف فنية، ولكن الحياة الواقعية تختلف عن الفن، فتتحول حياة الممثل والممثلة أو ما يسمى بالفنان والفنانة إلى "متفرجين" عاديين يكتشفان أنّهما ممثلان، وعندما يكتشفان الحقيقة يحضر المأذون ليعودوا إلى كذبهما.
حياة الفنانين الزوجية كئيبة جدًّا؛ لأنّها حياة بلا مؤلف ولا مخرج، إنّها حياة مرتجلة وليست على حساب المنتج، حياة بلا وعي، البدايات الغريبة لزواج الفنانين تبرر تلك النهايات، فالعلاقات سهلة، والزواج يتم بينهم عدة مرات في الأدوار التي يقومون بأدائها، فكل فنانة ارتدت ثوب الزفاف، وكل فنان وقف أمام المأذون مرة أو عدة مرات ولا بأس، فقد يتحول التمثيل إلى فكرة وينفذ في الواقع.
في دراسة قام بها رائد علم الاجتماع المصري الراحل د. سيد عويس، تبين أنّ نوع المهن له تأثير مباشر على العلاقات الزوجية، وأنّ أقل نسبة للطلاق تتم بين المشتغلين بالزراعة والصيد.. فما هو السر في ذلك؟
يبدو أنّ المهنتين السابقتين فيهما دأب وصبر، ويبذل كل من المزارع والصياد جهد حقيقي طوال اليوم لكي يحصل على قوت يومه، ومثل هذه الأعمال فيها نفع للنّاس وانتظار للرزق وتوكل على اللَّـه، وتقوم المرأة فيهما أيضًا بالتواصل والتفاعل مع أسرتها ومع زوجها، ومن ثم تكون البركة التي تشمل الأسرة كلها بما فيها طبيعة علاقة الرجل بزوجته.
أهل الفن، نماذج حياتية جديدة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية؛ لأنّ هذا الفن بدأ على استحياء منذ بدايات القرن التاسع عشر، وكان عدد العاملين فيه يقدر بالعشرات ثم المئات، وكان معظمهم من أفراد مهاجرين من الشام إلى مصر، ولم يكن وضعهم الاجتماعي وحتى الاقتصادي مستقرًّا، ومن بينهم المارونيين والدروز واليهود أيضًا، وكان عدد النساء العاملات في هذا المجال قلة، ومعظمهن ليس لهن أسر أو تركن أسرهن، وفي تلك الآونة كانت المحاكم لا تأخذ بشهادة الفنان، ويطلق عليهم المشخصاتية، وكانت معظم الأسر العربية تعتبر الزواج أو الارتباطات الأسرية بأهل الفن من الأشياء المخلة والمنافية للذوق والأعراف العامة، ومن ثم كان يحدث الزواج والطلاق بين أهل الفن كأفراد منفصلين بعيدًا عن رضا ومباركة الأسر، وكانت الفتيات اللواتي يهربن من أسرهن من أجل هذا العمل محكوم على حياتهن الزوجية بالفشل؛ لأنّه كان مخالفًا للأعراف الاجتماعية الحاكمة بين النّاس، ناهيك عن المخالفة الشرعية ابتداءً، ولذا نجد كثيرات منهن لا ينجبن، أو ليس لديهن أولاد، وقد تنتهي حياتهن بشكل مأساوي.
ولكن بعد انتشار الفضائيات، وارتباط الفن بوسائل الدعاية والإعلانات والشركات التجارية الكبرى، ودخول عوامل أخرى لسنا بصددها الآن، حدثت تغيرات اقتصادية واجتماعية، وأصبح الفن وأهله ليس مجرد عالم بسيط، لكنه دولة يتمتع أفرادها بأعلى معدلات الدخول، بجانب الشهرة وارتباطها أيضًا بالسلطة، فتهافت قطاعات كبيرة من المجتمع للدخول في الوسط الفني، وتم دفع الأبناء إلى هذا الطريق، ولكن تبقى الحياة الأسرية بين هؤلاء الفنانين، بجانب العنوسة أيضًا، وكذلك تعدد الخليلات، مفككة وكئيبة وفاشلة، والسبب الرئيسي أنّهم يقولون ما لا يفعلون، فهم يتحدثون دائمًا بل كل أحاديثهم وأغانيهم وحكاياتهم عن الحب والوفاء والغرام والهيام، بينما هم في الحقيقة والممارسات الواقعية، بعيدين تمامًا عن كل هذه المعاني، إلى جانب أنّ الاختلاط الدائم، والذي يصل إلى درجة تمثيل الحياة الزوجية والقيام بممارسات الحب والهيام، يجعل الرجل دائمًا يتطلع إلى نماذج شكلية مختلفة ومرسومة بشكل اصطناعي، بالإضافة إلى أنّ أهم معلم من معالم أهل الفن أو نساء الفن هو إبراز مفاتن المرأة على كل المستويات، ومن ثم يحب الرجل التغيير والتطلع للأفضل المادي، وكذلك المرأة أيضًا، وبالتالي فإنّ الحياة الزوجية في الوسط الفني قد لا تستمر لشهر بل أحيانًا لأيّام، ويصل عدد مرات الطلاق للفنانة أو الفنان الواحد لأكثر من عشر مرات أحيانًا، لدرجة أنّ إحدى الممثلات عندما بلغت أرذل العمر كانت تنسى أسماء من تزوجتهم؛ لأنّهم تجاوزوا الثلاث عشر رجلًا.
وإذا كانت الحياة الزوجية قائمة، كما جعلها اللَّـه، على المودة والرحمة والسكن، فكيف يتسنى لهؤلاء البشر أن يفعلوا ذلك من الناحية الواقعية وهم لا يمارسون إلّا مجرد الكلمات فقط، فتلك صنعتهم وبضاعتهم، ناهيك عن أنّ الحياة التي يعيشونها منزوعة البركة؛ لأنّها في كل تفاصيلها، بعيدة عن ذكر اللَّـه وأحكام الشريعة، فكيف يتسنى لها الاستقرار والأمان؟