وجاءت الاختبارات
دقت ساعة العمل الجاد وبدأت الاختبارات. وهنا من الواجب أن نقف بصدق وحب وقفتين مع فئتين مهمتين في حياتنا، هما:
الفئة الأولى: أبناؤنا الطلبة والطالبات
فنقول لهم أولاً: كم أخذت منكم المذاكرة والاستعداد للاختبارات؟ وهل بعد كل هذا سوف تعرفون الأسئلة حق المعرفة أم أنها غيب بالنسبة لكم؟ وهل ستجدون الرحمة الحقيقية من كل من حولكم في التعليم؟ وهل نجاحكم في هذه الاختبارات يعني حصولكم على كل أمانيكم ووصولكم إلى بر أمان لا حزن فيه ولا هم؟
أسئلة قد تبدو في طرحها غريبة ويحوطها الغموض.. ولكن نقول لكم: هناك اختبار غريب.. الكل سيدخله، والكل سيسأل نفس الأسئلة، والكل يعرف هذه الأسئلة؛ فهي معلومة للجميع، فهل واصلنا الاستعداد لهذه الاختبار؟
وهاكم هذه الأسئلة المعلومة للجميع:
أسئلة ثلاث سنسأل عنها في القبر: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟
أسئلة خمس سنسأل عنها يوم القيامة، ولن تزول قدم عبد في ذلك اليوم حتى يسأل عنها وهي: عمرك فيما أمضيته؟ وشبابك فيما أبليته؟ ومالك من أين اكتسبته؟ وفيما أنفقته؟ وعلمك ماذا عملت به؟
وهذه الأسئلة إن أجبنا عليها سنجد الثواب من لدن رب رحيم، رحمته شملت كل شيء وعفوه سبق غضبه، ويجازي بأحسن الأعمال ويتجاوز عن السيئات، ويستر ما خفي، وهو وحده سبحانه العدل الذي لا يظلم عنده أحد.
ونجاحنا في الإجابة عن هذه الأسئلة مرهون باستعدادنا في الدنيا للوصول إلى الفردوس الأعلى برحمة من الله تعالى؛ بأن نجدّ في الصالحات إخلاصاً واتباعاً في كل شؤون حياتنا، لا نخشى في الله لومة لائم.
وإن وفقنا الله تعالى للقبول والتسديد والفوز المبين رزقنا برحمته وفضله جنة عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
والله الرحيم يدعونا أن نسارع إليها ولا نمشي الهوينى، بينما نحن عكسنا المطلوب منا فسارعنا إلى الدنيا ومشينا الهوينى إلى جناته. فالله يقول في دعوته لنا للسعي في الأرض: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].
ويقول تعالى عن الجنان: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 133 – 136].
ويقول صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، مصداق ذلك في كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]» [متفق عليه].
ثانياً: كل طالب وطالبة يسأل نفسه: لماذا أدرس؟ ولماذا أدخل الاختبار؟ ولماذا أريد النجاح والحصول على أعلى الشهادات؟ ما هدفي من كل ما سبق؟
الإجابة نجدها في هذه الحديثين: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر».
أما الحديث الثاني فهو: «من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة» يعني ريحها.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أول خلق تسعر بهم النار...» الحديث، «فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما علمت؟ فيقول: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذاك....».
ففي أي الفريقين أنتم ونحن؟ وهل راجعنا نياتنا وأهدافنا لنصل إلى الجنان؟ أم تناسينا وتجاهلنا؟ فنعوذ بالله أن نكون أول من تسعر بهم النار، ونعوذ بالله من علم لا ينفع.
الفئة الثانية: من يقوم بمهنة التعليم
أولا: أقول لكل معلم ومعلمة وكل أستاذة وأستاذة:
أنتم في نعمة عظيمة فمعلم الناس الخير يستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر، كما ورد في الحديث السابق، وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته».
فهل نفرط في كل هذا النعيم العظيم الذي يلحقنا في حياتنا ويستمر بعد وفاتنا من أجل عرض من الدنيا زائل؟
ثانياً: عليكم بالعدل عند تصحيح أوراق الإجابة وألا تحيف بكم الأهواء. فكما لا يجوز إنقاص درجات من أجاب إجابات كاملة بدعوى التعب والنسيان مع عدم المتابعة والمراجعة، كذلك لا يجوز أن ينجح الفاشل والكسول، فيكون عبئاً على غيره من أهله وطلبته وموظفيه، ثم الوزر سيلحقكم لأنكم أنت السبب في نجاحه، فلنتق الله جميعاً في الأمانة العظيمة التي تطوق أعناقنا فإن منصبنا في التعليم أمانة وإنه يوم القيامة خزي وندامة إلا من قام بحقه.
ثالثاً: يذكّر بعضنا بعضا بما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإن رأيتموهم فقولوا لهم مرحباً مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقنوهم» فقلت للحكم: ما أقنوهم؟ قال: علموهم.
رابعاً: ألا نجعل الاختبارات مصدر قلق وتوتر وتخبط، بل لنتعاون ولنعمل على إيصال المعلومات صحيحة مترابطة مفهومة سلسة؛ لنبني بها العقول والأفئدة ونربطها بالله تعالى، ولنبني أمة منتجة قوية مبدعة مخترعة تنظر بعين المؤمن إلى جنات عرضها السموات والأرض.
خامساً: أيها المراقب.. أيتها المراقبة.. على أبنائنا:
أبشركم بفرصة عظيمة أكرمنا الله تعالى بها وهي وقت المراقبة، حيث نتجول بين الطلبة فلنستغل كل دقيقة فيه بأن تكون ألسنتنا رطبة بذكره تعالى، فتنزل السكينة وتغشانا الرحمة وتحفنا الملائكة فيعم المكان الهدوء الذي يصل إلى القلوب.
سادساً: لنذكر الطلبة بصدق الاستعانة بالله وجميل التوكل عليه، وأن يرددوا أذكارهم أثناء تعسر الإجابات، وبالذات الاستغفار فهو مفتاح كل فرج بإذن الله.
سابعاً: عدم التهاون في ضبط من يغش؛ لأن المسلم محرم عليه التطفيف في أمره كله، فكيف بمن نأمل منهم غداً حمل أمانة التربية والتعليم؟ فنحن لسنا في حاجة إلى أجسام فارغة من العقول والقلوب ولا ترى من الدنيا إلا عرضا زائلا نتقاتل عليه.
وأخيراً نسأله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويزيدنا علماً، والحمد لله على كل حال.