تذكير المسلمين والمسلمات بفضل الصدقة والتبرعات وتفريج الكربات
بسم الله والصلاة والسلام على خير الأنام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.
ما نعيشه في أيامنا هذه من انتشار للفقر والغلاء والتعب والعناء في جلب لقمة العيش وطلب الزرق وهذا عمل فضيل جليل.
بيننا أناس ليس لهم من يعيلهم أو يكادون لا يجدون ما يسد رمقهم لا يعلم حالهم إلا الله جل في علاه.
هم إخواننا ونحن عنهم مسؤولون ولمن يريد أن يستوثق فليراجع الجمعيات الخيرية وليرى ما باتت تئن به ملفاتهم من الثقل.
عصرنا مادي مجحف قاسي مليء بالفتن فلا يكاد الجار الغني بعلم عن جاره الفقير المعوز بل لا يعلم عن قريبه الفقير المحتاج فكيف بالبعيد المسكين.
لنستذكر سويا ما لتفريج الكربات عن المسلمين من فضائل وما للصدقات من أجور عظيمات.
ولأبتدء كلامي بقصة بعنوان لقمة بلقمة ورد بها ما يلي:
كان لامرأة ابن، فغاب عنها غيبة طويلة، وأيست من رجوعه، فجلست يوما تأكل، فحين كسرت اللقمة وأهوت بها إلى فيها، وقف بالباب سائل يستطعم فامتنعت عن أكل اللقمة وحملتها مع تمام الرغيف فتصدقت بها وبقيت جائعة يومها وليلها.
فما مضت إلا أيام يسيرة حتى قدم ابنها فأخبرها بشدائد عظيمة مرت به وقال: أعظم ما جرى عليّ أني كنت منذ أيام أسلك طريقا في فلاة إذ خرج عليّ أسد فانقض عليّ من على ظهر حمار كنت أركبه، وفر الحمار هاربا، ونشبت مخالب الأسد في مرقعة كانت عليّ وثياب تحتها وجبة، فما وصل إلى بدني كبير شيء من مخالبه إلا أني تحيرت ودهشت وذهب أكثر عقلي والأسد يحملني حتى أدخلني كهفا وبرك عليّ ليفترسني، فرأيت رجلا عظيم الخلق أبيض الوجه والثياب وقد جاء حتى قبض على الأسد من غير سلاح وشاله وخبط به على الأرض وقال: "قم يا كلب، لقمة بلقمة"، فقام الأسد يهرول، وثاب إليّ عقلي، فطلبت الرجل فلم أجده، وجلست بمكاني ساعات إلى أن رجعت إليّ قوتي ثم نظرت إلى نفسي فلم أجد بها بأسا فمشيت حتى لحقت بالقافلة التي كنت فيها فتعجبوا لما رأوني فحدثتهم حديثي، ولم أدر ما معنى قول الرجل: "لقمة بلقمة". فنظرت المرأة فإذا هو وقت أخرجت اللقمة من فيها فتصدقت بها.
إن الصدقة تطفىء غضب الرب وتنجي بإذن الله من المهالك وترد البلايا وتبارك في العمر وربما صدقة تصدّ بإذن الله مصائب كبيرة، فلا نستهين بأمر الصدقة ولو كانت قليلة، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فهذه الأم التي انشغلت بغياب ولدها الطويل حتى يئست من رجوعه كانت صدقتها التي تصدقت بها وهي في حاجة إليها كانت سببا لإنقاذ ولدها من موت محقق وسببا في عودته سالما، فتصدقوا فما عند الله خير وأبقى.(1)
للصدقات أجور وفضائل عظيمات أعدد منها ما يلي:
1) قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [سورة آل عمران: 92].
2) قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [سورة البقرة: 276].
3) قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [سورة التوبة: 103].
4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك» [رواه أحمد والبخاري ومسلم].
5) قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [سورة البقرة: 271].
6) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر» [رواه المنذري].
7) قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سورة سبأ: 39].
قال صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة» [رواه مسلم].
9 ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن صدقة السر تطفىء غضب الرب تبارك وتعالى» [رواه المنذري].
10 ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء الماء النار» [رواه الترمذي].
11) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل امرىء في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس» [رواه المنذري]. قال يزيد: "فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة"، قد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» [رواه البخاري].
12) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا» [رواه البخاري].
13) قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال» [رواه مسلم].
14) قال الله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ} [سورة البقرة: 272]
15) سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: "ما بقى منها إلاّ كتفها". قال: «بقي كلها غير كتفها» [رواه الترمذي]، في إشارة أن ما عند الله هو الباق.
16) قال الرحمن عز وجل: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [سورة الحديد: 18] .
17) قال الملك سبحانه : {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة البقرة: 245].
18) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان». قال أبو بكر: "يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها"، قال: «نعم وأرجو أن تكون منهم» [في الصحيحين].
19) ضرب النبي صلى الله عليه وسلم «مثل البخيل والمنفق ، كمثل رجلين ، عليهما جبتان من حديد ، من ثديهما إلى تراقيهما ، فأما المنفق : فلا ينفق إلا سبغت ، أو وفرت على جلده ، حتى تخفي بنانه ، وتعفو أثره . وأما البخيل : فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها ، فهو يوسعها ولا تتسع » [رواه البخاري]، فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه، فكلمَّا تصدَّق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصَّدقة إلاّ هذه الفائدة وحدها لكان العبدُ حقيقيا بالاستكثار منها والمبادرة إليها.
20) قال تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [سورة الحشر: 9].
21) قال ذو الجلال والإكرام {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعداً عَلَيْهِ حَقّاً فِى التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرءَانِ وَمَنْ أَوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبشِرُواْ بِبَيعِكُمُ الَّذِى بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ} [سورة التوبة: 111].
22) كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يوصي التَّجار بقوله: «يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة» [رواه أبو داود].
23) يقول جل وعلا: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ} [سورة البقرة: 271]
24) قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أنفق المسلم نفقة على أهله، وهو يحتسبها، كانت له صدقة» [في الصحيحين، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكينا، ودينار أعطيته في رقبةٍ، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك» [رواه الألباني].
25) الصدقةُ في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار كما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : "يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟"، قال: «أن تصدق وأنت صحيح حريص، تأمل الغنى، وتخشى الفقر، ولا تمهل، حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان» [رواه البخاري وبلفظ آخر لمسلم].
26) قال صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذوي الرحم ثنتان صدقة وصلة» [رواه المنذري].
27) أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بقوله: «إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك» [رواه مسلم].
28) قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله، و دينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، و دينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز و جل» [رواه الألباني].
29) قال سبحانه: {انفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْبِأَموَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة التوبة: 41].
30) قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه ابن تيمية].
31) قال جل في علاه: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [سورة الحديد: 11،10]
32) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته» [رواه المنذري: الترغيب والترهيب].
للصدقة أنواع وأشكال متعددة نذكر منها:
- بناء المساجد.
- سقي الماء.
- كفالة اليتيم.
- إطعام المساكين.
- حفر الآبار.
- تجهيز المجاهدين.
- كفالة طالب علم.
- بناء المراكز الإسلامية.
- طباعة المصاحف.
- تقديم الدواء.
- بناء المراكز الصحية.
- الصرف على الدعوة في سبيل الله.
- إرسال مسلم معوز للعمرة والحج.
- كفالة علاج مسلم.
- بناء مراكز تحفيظ القرآن وتعلمه.
- كسوة فقير.
- حرث الأرض للفقراء.
- تعمير المساكن.
- المساهمة في تزويج الفقراء والفقيرات .
- قضاء دين عن فقير.
- إمهال أو العفو عن معسر.
- تبسمك في وجه أخيك.
- إطعام طير أو حيوان.
- نفقتك على أهلك وزوجك وولدك.
هذا إنما هو غيض من فيض ولا تحتقر ما تقدمه أبدا فقد ورد في الحديث كما سلف ولو بشق تمرة ورب درهم سبق ألف درهم والله يضاعف لمن يشاء سبحانه وما عنده خير وأبقى فأنشىء أخي الكريم صندوقا في بيتك سمه صندوق الصدقات والتبرعات وعلم زوجك وأولادك التبرع لتنشىء فيهم هذه الخصلة الحميدة ابتغاء مرضاة الله سبحانه وعند امتلاء الصندوق أعلمهم أين تم توجيه ما فيه وأوجه صرفه وشاركهم الرأي.
بدأتُ بقصة وأنتهي إليكم بقصة ورد بها ما يلي:
عن الفضيل بن عياض قال: حدثني رجل أن رجلا خرج بغزل، فباعه بدرهم ليشتري به دقيقا فمر على رجلين كل واحد منهم آخذ برأس صاحبه.
فقال: ما هذا؟
فقيل: يقتتلان في درهم، فأعطاهما ذلك الدرهم، وليس له شيء غيره، فأتى إلى امرأته فأخبرها بما جرى له فجمعت له أشياء من البيت فذهب لبيعها، فكسدت عليه، فمر على رجل ومعه سمكة قد أروحت – أي تغيرت رائحتها.
فقال له: إن معك شيئا قد كسد، ومعي شيء قد كسد، فهل لك أن تبيعني هذا بهذا؟ فباعه، وجاء الرجل بالسمكة إلى البيت وقال لزوجته: قومي فأصلحي أمر هذه السمكة، فقد هلكنا من الجوع.
فقامت المرأة تصلحها فشقت جوف السمكة، فإذا هي بلؤلؤة قد خرجت من جوفها، فقالت المرأة: يا سيدي قد خرج من جوف السمكة شيء أصغر من بيض الدجاج، وهو يقارب بيض الحمام.
فقال: أريني، فنظر إلى شيء ما رأى في عمره مثله فطار عقله، وحار إليه، فقال لزوجته: هذه أظنها لؤلؤة.
فقالت: أتعرف قدر اللؤلؤة؟!
قال: لا، ولكني أعرف من يعرف ذلك.
ثم أخذها وانطلق بها إلى أصحاب اللؤلؤ، إلى صديق له جوهري، فسلم عليه، فرد عليه السلام وجلس إلى جانبه يتحدث، وأخرج تلك اللؤلؤة، وقال: انظر كم قيمة هذه؟
قال: فنظر زمانا طويلا، ثم قال: لك بها عليَّ أربعون ألفا، فإن شئت أقبضتك المال بسرعة، وإن طلبت الزيادة، فاذهب بها إلى فلان فإنه أثمن بها لك مني.
فذهب بها إليه، فنظر إليها واستحسنها، وقال: لك بها علي ثمانون ألفا، وإن شئت الزيادة فاذهب بها إلى فلان فإني أراه أثمن بها مني.
فذهب بها إليه، فقال: لك بها عليَّ مائة وعشرون ألفا، ولا أرى أحدا يزيدك فوق ذلك شيئا.
فقال: نعم، فوزن له المال، فحمل الرجل في ذلك اليوم اثنتي عشرة بدرة في كل بدرة عشرة آلاف درهم، فذهب بها إلى منزله ليضعها فيه فإذا فقير واقف بالباب يسأل.
فقال: هذه قصتي التي كنت عليها... أدخل، فدخل الفقير.
فقال: خذ نصف هذا المال، فأخذ الرجل الفقير ست بدر فحملها ثم تباعد غير بعيد ورجع إليه، وقال: ما أنا بمسكين ولا فقير، وإنما أرسلني إليك ربك عز وجل الذي أعطاك بالدرهم عشرين قيراطا، فهذا الذي أعطاك قيراطا منه وذخر لك تسعة عشر قيراطا.(2)
والله اسأل أن يجعلني وإياكم من المتصدقين والمزكين والراحمين وأن يتقبل منا أعمالنا سبحانه عزوجل.